كتبت: الشاعرة والمترجمة مها جمال
لكل زمان مضى آية، وآية هذا الزمان النكت
الأبنودي
هذا المقال كان محاولة لإنعاش ذاكرة والدي المريضة -رحمه الله- عن جانب إنساني وشخصي للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، الصديق الوفي والمحب لأصدقائه في وقت تغلبت المادة والمصالح على العلاقات الإنسانية.
— كان والدي والأبنودي دائمي الهروب من المدرسة وخاصة عندما يكون اليوم الدراسي طويلاً (7 حصص) ليذهبا إلى الغابة أو يخرجان أثناء الحصص مع جماعة النشاط المسرحي.
— عرف والدي عبد الرحمن الأبنودي منذ المرحلة الابتدائية عندما سكنوا قنا في شارع بني حسن، واستمرت الصداقة حتى نهاية المرحلة الثانوية.
أخذت هذه الصورة في مدرسة قنا الثانوية يوم
الاحتفال بعيد النصر 17/12/ 1957
ذكريات الشغب والعشق لقنا
كان عبد الرحمن الأبنودي طاقة حب متحركة، صعيدي بقلب حامٍ، عاشق لمصر وترابها ونيلها وقريتها ومدينتها.
— لم يتخل عن لهجته العامية في إلقاء قصائده التي كانت بحرارة شمس الصعيد.
— كانت ذاكرته راصدة ومتأملة لكل أغاني الطفولة في قريته وفي قنا.
— في نهاية كل عام دراسي، كان الأبنودي نجم حفلات مدرسة قنا الثانوية، يكتب المونولوجات والأزجال.
محطات التحول (من المحكمة إلى الجيش)
أيام السيل والرئيس:
يستطرد أبي قائلاً: في المرحلة الثانوية هاجم قنا سيل مدمر، جاء على أثره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتفقد المنطقة المنكوبة. ذهبنا لنسلم عليه. الأبنودي كتب عن هذه الواقعة بالتفاصيل في حلقات "أيامي الحلوة".
العمل والتمرد
— بعد المرحلة الثانوية عينه أبوه في المحكمة، لكنه كان يترك تدوين محاضر الجلسات ليكتب الشعر.
— نقلوه إلى الأقصر ثم إلى نقادة، ثم قدم استقالته وانتقل للقاهرة.
رسائل الصداقة والوفاء في الغربة
عندما التحق والدي بالجامعة في القاهرة، والتحق عبد الرحمن بالجيش، كان ينزل عند والدي في سكنه أيام الخميس والجمعة.
مقتطفات من خطابه لأخيه "كمال":
/10/11 1959 جزء من رسالة عن أيامه فترة خدمته
"كانت فترة الجيش درساً كبيراً.. نافعاً وإن كنت قد اشتريته بأعصابي وعرقي ودمعي".
من رسالة خاصة لوالدي (جمال):
"لم تكن كذلك منذ عرفتك يا جمال ...أنت نعمتي التي أرجوها. أنت نعمتي وهو الواقع وكل ما دفعني إلى الكتابة إليك هو لك الهاتف الذي صرخ في أعماقي بأن أكتب لك...".
كان الأبنودي دائماً يذكره في لقاءاته التلفزيونية بـ "صديقي التاريخي".
مقتطفات من أعماله النادرة وبداياته
أ. قصيدة "حبيبتي ياللي ناسياني" (1958):
تموت الشمعة....غرقانة
ويصرخ قلبي في وداني
...
يقول سري...يقول سرك
وطرف السر... أدماني
...
حبيبتي... ياللي ناسياني
ب. قصيدة "وعلى الأرض السلام" (المنحازة للفقراء):
الغلابة اللي القدر فارش لهم تحت الحيطان...
دول عليهم وعلينا وعلى الأرض السلام
...
نسيوا طعم الميه حتى نسيوا ايه ريحة الطعام
دول عليهم وعلينا وعلى الأرض السلام
ج. مسرحية "الخائن" (1954):
هذه المسرحية الوطنية تظهر شغفه بالقضية منذ صغره. (يتم وضع حوار قصير كمثال):
الأسير (الأب): رباه... أي جرم ارتكبت حتى تجازيني بهذا الابن الخائن؟
حمدي (الابن): صدق أو لا
أول صفحة من مسرحية الخائن..1954
تصدق.. لقد تركت جيشكم منذ شهرين..
وهكذا رحل الأبنودي بابتسامة عريضة قاوم بها الفقر والظلم والمرض إلى أن تغلب عليه المرض ورحل تاركاً غرسة حب كبير في قلوب محبيه وأصدقائه. رحم الله الأبنودي ورحم الله والدي
التوثيق: هذه المادة هي مذكرات شخصية بقلم الشاعرة والمترجمة مها جمال، موثقة بالرسائل الخاصة التي تعود للستينيات، وهي مادة أصلية بالكامل ومنشورة خصيصاً في هذه المدونة