عن كتابتى




آخر ديوانٍ شِعريٍّ قرأته ، في مجال قصيدة النَّثر ، هو ديوان " بين متأخِّرٍ ... ومتأخِّرٍ جدًّا " للشَّاعرة " مها جمال " Maha Gamal الصَّادر عن دار هيباتيا للنَّشر والتَّوزيع ، وبالجملة هو واحدٌ من الدَّواوين المهمَّة بمجاله ، عمدت فيه الشَّاعرة إلى الاختزال والتَّكثيف ، ونجحت فيما عمدت إليه ، فضلًا عن حزمة الأفكار الممتازة المطروحة ، بذكاءٍ وبساطةٍ ، في الدِّيوان ، ولغته الحميمة السَّلسة ، وترتيب قصائده القصيرة ، وكونه ليس واقعًا في شَرَك التَّقليد ولا جموح الفلسفة ( لم يخلُ الدِّيوان طبعًا من هَفْوَاتٍ هنا وهناك لكنَّها تلك الهَفْوَات الموجودة بمعظم الأطاريح الأدبيَّة والشِّعريَّة بصورٍ متفاوتةٍ ولا يكاد يخلو منها طرحٌ ) ... كان الواجب ، والشَّاعرة تقيم في مدينة قنا بالجنوب المصريِّ ، أن يهتمَّ النُّقاد بما تطرحه امرأةٌ متميِّزةٌ تقيم في هذه الجوِّ البائس القاسي ، وأن تقام لها ولديوانها ندوةٌ معتبرةٌ في القاهرة ، لكن لا بأس بما جرى ، ويكفي ، مؤقَّتًا ، أنَّنا كسبنا مبدعةً حقيقيَّةً مهمومةً ومهتمَّةً ولا تبالي بمن أهملوها أو قصَّروا معها وقد يرضيها احتفاء الجماعة الثَّقافيَّة في قنا بلدها بها وهو ما حدث ويحدث ما وجدت هذه الجماعة إلى ذلك سبيلًا ( لمها أيضًا روايةٌ قامت بترجمتها صدرت عن الهيئة العامَّة لقصور الثَّقافة بسلسلة آفاق عالميَّةٍ " موت إيفان إيليتش " وهي في الواقع مُتَرْجِمَةٌ متميِّزةٌ وتنتقي ما تترجمه بعنايةٍ فائقةٍ ) ... يجب أن ينظر المثقَّفون المصريُّون المشتغلون بالأدب والمقيمون بالعاصمة المصريَّة بعين الاعتبار لإبداعات الأقاليم النَّائية لا سيَّما الصَّادرة عن نساء ، قد لا تمكِّنهنَّ الظُّروف كثيرًا من الظُّهور والمشاركات ومن ثَمَّ لا تمكِّنهنَّ من الاحتكاك بالنَّاس وصنع علاقاتٍ محترمةٍ جيِّدةٍ معهم ، ويكفي نسيان الإعلام لهؤلاء على الرَّغم من وفرة القنوات والبرامج المتخصِّصة . شكرًا " مها جمال " ؛ استمتعت بالقراءة للمرَّة الثَّالثة !






وتوغّل حرفي في نص (خريف وعرّافة) للكاتبة مها جمال

كتبهافرحناز سجّاد حسين فاضل هاشم ، في 14 نوفمبر 2009 الساعة: 00:56 ص

وتوغّل حرفي في نص

(خريف وعرّافة)

للكاتبة مها جمال





النص



خريف وظل قمر وغيمتان

وورقة صفراء ذابلة

مكتوب عليها

من عمر الزمان

أن لا تلاق

وعباءة ترتدى هموم السنين

ورأس توسدت أكف المستحيل

ويد زرعت زهرا بلا شوك

تبارز به ألام الحنين

وجسد أنهكته الغربة

وعاد حاملا الأنين

وروح تائهة الخطى

تعاقر الموت

وتسافر إلى فراغ وتيه

وعرافتى خرساء بلهاء

تمد يدها فى دخان

وتتمتم فى دهاء

لم تعرف ماهو الداء

ولم تصف الدواء



—————————————-



(خريف) يأخذنا إلى هناك ،،

حيثُ تقبع محطّة انتظار التساقط لأوراق !

اكفهرار …. وألوان تتوالد وتتوارث الإصفرار

(ظل قمر وغيمتان) هي لوحة الـ يبحث فيها

القمر عن ظلّ له يرميه ويهرول ..

وتساعده في جريرة اللواذ .. غيمتان

ظلّ قمر وليس قمر .. ومعه غيمتان

هكذا غادر الصفو من منازل الليل

(وورقة صفراء ذابلة

مكتوب عليها

من عمر الزمان) …..

أين لورقة في خريف يهرب في ليله القمر

وتقف معه غيمتان ألا تذبل مصفرّة القد

من بهاتة وبهتان …… ليس لصروف الأيّام

(عباءة ترتدى هموم السنين)

عندما يُصيب الذهول الجبين .. تنقلب الأدوار

فبدلاً منْ أنْ ترتدي الهموم عباءة تغطّيها

تتعرى هي .. وفي ذات الوقت

ترتديها عباءة ،، أو ذات عباءة !

(رأس توسدت أكف المستحيل)

يتلعثم الذهول بالهذيان …… من فرط المستحيل

(ويد زرعت زهرا بلا شوك

تبارز به ألام الحنين)

مهما أكتحل الليل بالقتامة …….

يدر الأمل من الثدي العقيم !!!

هي النفسُ .. تعشق الحياة

العشق المميت ..

تتشبث بها ..

وإن كانت واهية كخيوط بيت العنكبوت

(وجسد أنهكته الغربة

وعاد حاملا الأنين)

حتميّة هي ما تعمل في الأجساد .. الغربة

فكيف لا يند جبين جسد بالأنين ذاق مرارة الغربة

وآه ……..

(وروح تائهة الخطى

تعاقر الموت

وتسافر إلى فراغ وتيه)

أسوأ ما يمكن أن تظفر به الغربة

هو أزمّة الروح ……

وهذا لا يكون إلا من توغّل عميق لها في النفس

وإنْ عانى الجسد من غربة فكانت آه …

فإن غربة الروح تجرُّ عربات الويلات في ساحات معارك التأوه والأنين

(وعرافتى خرساء بلهاء

تمد يدها فى دخان)

عرّافتك خرساء بلهاء

تُحرق العمر بخوراً

وينبعث من الرماد دخان رمادي ،،

بلون الضباب .. فيحجبُ الرؤية

لعلّ الغرض كان ألا ترى ……

ولا تتجشّع الآلام عُنوة !

(وتتمتم فى دهاء

لم تعرف ماهو الداء

ولم تصف الدواء)

الشعوذة والتمتمة بطلاسم مبهمة

زريعة للهروب من طائلة الجهل

خديعة ممارسة .. تداري بها حماقة قد تكون مكتسبة !!!







فرحناز سجّاد حسين فاضل

السابع من تشرين الثاني 2009م

09:34 AM





بقلم خيرة خلف الله
الشّعر النّسوّي :من رومانسية الخطاب إلى مخالب المعاني في قصائد شاعرات من الفايس بوك (فوزيّة العلوي –ضحى بوترعة –راضية الشهايبي –مها جمال )
كتبها: IA== ، في 16 سبتمبر 2010 الساعة: 13:17 م



تصدير : "هي الآن …هنا …تمارس فوضى الدلالات ترتيبا لأبجديّة الفحولة تكتب في فوضا(نا) ما يحقّق للهامش قوّة الانطلاق "(1)

على سبيل التمهيد :

على حدّ تعبير إحدى الشّاعرات" الشعر أوسع من الخيال ،وعبث من طراز فريد." إذ من خلاله نقوم بعمليّة تنفيس للذّات .ولكن في نفس اللحظة نشيد قصرا من الأحلام والاحتمالات لعالم ممكن ،تسود فيه حالة ليس من الضّروري أن تكون النقيض لما نعيش أو بصفة أدقّ لما عبّرنا عنه من اختلاجات ساعة اللحظة الشعريّة.
الشّعر إذا ومن هذا المنطلق إطلالة غير عاديّة على عوالم قد تتباين أو تتفق مع مسبّباتها و تحظى بجملة من الانزياحات تفرضها طبيعة الذات الشاعرة والظروف الحافة بها .تقول الشاعرة الكردية فينوس فائق (2)"وظيفة الشعر هي التقليل من المعاناة عبر وسائل عدة من أهمها الكلمات ، و أن يدخل المناطق الخطرة و أن بفتح أبواباً أغلقها المجتمع بقفل التقاليد ، إنه نوع من إختلاق الطرق غير العادية التي تؤدي إلى عوالم غير عادية ، من هنا تبدأ رحلة اللعب بالكلمات ، لو لم أتقن فن اللعب بالكلمات لما كتبت شعراً و إكتفيت بكتابة المقالات ، لكن الشعر شيء آخر مختلف تماماً عن المقالة و النص الجامد ، إنه نص متحرك على حبال الكلمات ، ربما هو عبث ، لكنه عبث من طراز فريد ، لا يتقنه سوى الشعراء ، و حتى هذا اللعب بالكلمات هو الذي يخلق الأجواء التي توحي بوجود تلك العوالم التي تسميها بالفكرية و الفلسفية و التي تحاكي الحداثة و حتى ما بعد الحداثة"

هكذا الإبداع إذا من تصوّر أنثويّ يقترف فضيحة حب الشّعر وقد أدمن الكتابة على وجه الخصوص
نحن إذا أمام ذات وحالة تتصوّر الأشياء وفق منطق خاصّ وبأساليب وأدوات جدّ مميّزة بمعنى المخالف لصوت الذّكر الذي سبقها تاريخيّا في بلورة أنساقه المعرفيّة والوجدانيّة وما المرأة الكاتبة ونتيجة هذا الواقع المشحون ذكوريّة إلاّ حسّ ونمط ونسق تفكير يحمل مشروعه في مختلف التجلّيات التعبيريّة الصّادرة عنه .فصرنا نتحدّث عن النّسويّة في الأدب وإن كان هناك من يرى أنّه لو نتمثّل النّص بعيدا عن تذييله باسم صاحبه فلن نتمكّن من تحديد جنس كاتبه . وبالتالي تتشابك الرؤى وتتداخل الأبعاد ولن نستطيع أن نجزم بالقول أنّ هذا العالم ذكوريّ لأن صاحبه ذكر وأنّ تلك الكتابة معبرة بصدق عن المرأة لأن كاتبتها امرأة .
لكن وبما أنه صار للمرأة حضورها الفاعل في مجال الكتابة صار بإمكاننا مكاشحة هذا النّص "الأنثويّ" لاستكناه أبعاده ومقوّماته وشتّى حاوافه المحيقّة به
من هنا جاء تناولنا لبعض النّماذج الشعريّة النسائيّة لمحاولة الوقوف على جملة من الخصائص الجماليّة و المضمونيّة التي سعت المرأة إلى تحقيقها أو استحضارها أو كما يرى محمّد نور أفاية( 3)"أن تستدعي المكبوت المتراكم عبر الزّمن لتعلنه -أو تلعنه –في حوارها أو صراعها "
دون أن نغفل أثناء تناولنا لبعض هذه النماذج التطورات الحاصلة في النص الشعري الأنثوي
لذلك كانت مسألتنا هي تصّدع هذا النص على غرار التصدع العروضي الذي لحق المدوّنة الشعرية العربية منذ نازك الملائكة وحتّى الآن مترصّدين ماحلّ بهذه الرّؤيا من مختلف التأثيرات والانفعالات المصاحبة لتطوّر هذا المعين .
وإلى أيّ مدى حقّق مصالحته مع الذات المبتكرة له .
لنحاول في البداية تحديد الكون الذي سنخوض في فلكه هذا السجال

1- رومانسيّة الخطاب :
اقتطفنا في هذا الغرض جملة من النصوص لهؤلاء الشاعرات وتنتسب كلها تقريبا لنفس المعنى قلت معنى لأنه بعد الانشطار العروضي لا مجال للحديث عن الغرض في الشعر .والشعر بدوره أصبح قولا شعريا لاستعابه للمحدث والمستطرف من شتى التصنيفات الجمالية والتعبيرية .
والرومانسية في الخطاب تخاطب الوجدان بالأساس تنحت من خلاله عوالمها وأحلامها تسانده وتتنكب تلميحاته ونوازعه .تراوده على جملة العواطف التي تكون وجهة المتلقي والمبدع على حدّ سواء
يغلب التغني بالآخر على خطاب المرأة الشعري وذلك ليس نقيصة بقدر ماهي ميزة يشترك فيها الذكر والأنثى على حدّ سواء


فكما يصف الشاعر حبيبته ويناجيها في أشعاره ويتودد إليها كذلك تفعل المرأة لمّا انطلقت في تجربتها الإبداعية حيث أوّل بصماتها سجلت هذا التغني بالذكر في رومانسية مهادنة لجبروت الذكورة المسيطر على عقلية المجتمع الذي وجدت فيه ،نقصد المجتمع الشرقيّ لذلك مجّدت سيد البيت وربّ الأسرة ومالك القلب الذي ترى بأنه تاريخها وله الأسبقية على أنوثتها في الزمان والمكان علاوة عن الوجدان
تقول فوزيّة العلوي :(5)

كان هنا
من قبل أن ألج الزّمانْ
وزمانه
كان انتظاراكي أحطّ بفجره
كنت كمن ضاعت قوادم عمره
وتبدّدت أيّامه تحت الخوافي
فمشى يسائل طيره

بينما تعمّق ضحى بوترعه هذه المكانة للآخر في حياتها فتهبه الشساعة وتضفي عليه الكرامات بدون حساب فيغدو بمرتبة الخلق ألصق. تصفه قائلة :(6)

كان بحرا
وكنت أسرق النبض من خلاياه النائمة
وانقشاع الضجر من بصيرته المتلفة
لم يكن غيري وأنا أخوض الهمس اللّيلي
كان صوتا يلمّع الوهم
يوقظني أحيانا من صحو دائخ
كان ليلا يتسلّل بين غرفة ورجفة عاشق
بينما تجعل الشاعرة مها جمال من الآخر تعويذتها وتسبغ عليه فعل الضوء في ظلمتها فتنشد (7)
أحاول أن أفك رموز تعويذتك
التى ألقيت على قلبي
هممت بحرق مراكبي
فى المياه الراكدة
قفزت أنت من شراييني الحيرى
لتضىء دمي
حلما أتيه به
عشقاودلال

لتناديه راضية الشهايبي :(7)
تعال
ان وقفت حيث الدائرة التائهة عن نقطة المركز
تعال
لا تمض كي لا يطمع الزمان في صرف المضارع
تعال
لا تركب الريح التي راودتني عني هباء تنثره في وجه الموالين لغجريتي

كن ريحا بكرا
وسماء اقرب
وعمرا لا ينتمي للزمن

الجامع بين الشاعرات هنا بالإضافة إلى توحّدهنّ في الحالة الوجدانيّة هو خلقهنّ لهذا الآخر على شاكلة حلم يسع الطبيعة وما جاورها وتجاوزها ففي الآخر كلّ الحياة ونشوة الوجود وانصهار الأنوثة وكأنّ بالأنوثة لا تكتمل إلا ّ بهذا الآخر الذي أتى سابقا لزمن المرأة وقادرا على تغيير سحنة الكون بفضل ما يكنه من عشق للموجودات وما يبثه من روح في جسد هذا النّص الأحاديّ الخطاب المتقوقع على عاطفة الحبّ وما تعيشه الذات المبدعة .هذا التوجه في الحالة الشعورية يقرّ بتطويع المرأة للخطاب لرغباتها ولم لا لمكبوتاتها ؟التي كانت لا تستطيع التصريح بها قبل هذا التاريخ من واقعها المعيش .
هذا التنفيس في عواطفها وهذا الاحتفاء بالحبيب يقترن بنوع من التسليم لثنائيّة الوجود التي مركزها الأنثى والذكر فيأتي الخطاب الشعري النّسوي خاضعا لطقوس الحياة منشدّا إلى الطبيعة العادية والهادئة والرومانسية التي جبلت عليها المرأة المبدعة.هذا العالم الذي تتنفّس من خلاله يطأ أغوارها الكامنة والتي جبلت على الحبّ تيمة صالحة لكل زمان ومكان فهي متيمة بهذا المعطى الطبيعي تعشقه وتتغنى به في وداعة لا يعكّر صفوها ما يشوب الواقع من صراع داخلي بين الجنسين وما تعوّده الذكر من إطلاقية وجعله قيّما عليها إلى عهد ليس ببعيد لما ترسب من عوامل مثيولوجية واجتماعية وما ورّث الاستعمار من تخلف ساهم في كبت المرأة وجهلها لواقعها .

2- مخالب المعنى
الخطاب الشعري النّسوي في تطوّر مطّرد فبقدر تحرّر المرأة من ربقة التخلف والجهل والدور القيادي للرجل ووصايته عليها نلمح تطوّرا في الأنساق الخطابية للمرأة المبدعة يوازي تفتحها على العالم الذي تعيش فيه وتقارع الرجل من أجل الدّفاع عن مشروعية مشاركتها له على قدم المساواة بحكم لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بجزيل الأعمال لذلك ظلّت الكتابة لدى المرأة أظهر هذه الأشكال التحرّرية على الإطلاق .ولعل المتتبع للإبداع النّسوي منذ النهضة وإلى الآن يلمح بوضوح هذا الانزياح الذي صبغ خطاب المرأة بتشكيل ملامحها الشخصية ونحت كيانها بمعزل عن تبعيّتها للذكر أو تقليدها له .بل ثارت ،وانتفضت، وندّدت بمختلف أشكال الهيمنة الذّكورية خاصة في أواسط المجتمع الشرقي وما يفرضه على المرأة من أصناف الخنوع والرضوخ للسلطة الذكورية المجحفة .
ترى الشاعرة فينوس فائق (4) أنّ "فكر الإنسان عميق وواسع وخصوصا فكر المرأة والمرأة الشرقية على وجه التّحديد فهي مليئة بالكثير من الانكسارات التي سبّبتها الكثير من العوامل منها الاجتماعية والدينية والسياسية والرجولية والإنسانية …"
هذه العوامل دفعت بالمرأة المبدعة إلى إعادة تشكيل وعيها ليخرج خطابها الإبداعيّ عموما والشعريّ على وجه الخصوص مثقلا بما ترزح به هذه الذات من معاناة ورؤية مخصوصة للكون وكأنها تعلن بشكل مباشر أو غير مباشر استقلاليّتها عن الرّجل وقد عكست التجارب النسائية الشعريّة هذه الثورة التي انتقلت من مستوى المحاكاة والتغني الرومانسي بالرجل إلى تحدّيه والتمرّد على سلطته الكونيّة المفرطة والمجحفة ,طبعا كلّ ذلك مهّد له ماشهده العالم من حركات تحرّر وتمرّد أثّرت في الذات المبدعة وجعلتها تعي حقوقها وتطالب بها في إطار التعايش الكوني. ووفق ما وصلت إليه الشعوب في الإقرار بحق الفرد في تقرير مصيره .

هكذا يخرج الخطاب الشعري النّسوي من جلباب التبعيّة والمهادنة إلى صياغة جماليّة تحتفي بقدومه متمنطقا روح العصر وما تفرضه مقتضيات الأنثى. وكأنّ بالخطاب ذاك الجنين الذي كان يعيش حياة وردية لا يعي مركزه من الوجود وفجأة ينتفض ليعلن عن تبرعم أفكاره ورؤاه فيكسب الخطاب مخالب تخدش تمادي الرجل متى استبدّ وقطع عن المرأة لاسيما المبدعة طريق تقدّمها .فتتحداه في جرأة ساخرة من غروره على لسان فوزية العلوي في قصيدها نخيل
وتريد لي
أن أوصد هكذا جنّتي
لأظلّ طول الوقت في أعتاب ناركْ
وتريد أن أدع الحدائق كلّها
برفيفها وحفيفها
وأظلّ شاخصة أبدد دهشتي
بهشاشة الألوان
في أقمار داركْ
وتريد أن أدعَ المكانْ
لتكون كفّك قبلتي والفرقدينْ
وتريد تجزئة الزمان فأنقضي
كخرافة الأكوان في اللأينْ
لنلمح تحوّلا في مستوى التشكل المعنوي للقصيد التي كانت ترى في الرجل بوصلتها ومدها الذي يلهمها وكونها الأزليّ، فتتخذ منه موقفا هنا ينأى عن تلك المناجاة الطقوسية في أفقه بل وتحاججه في استحالة أنها ليس بتلك السذاجة حتّى تقبل بتربّعه على عرش الوجود في حين تبقى مجرد صدى له
بل تنتفض في ثأر لدورها الكونيّ منذ الخليقة لتقول على لسان ضحى بو ترعة في قصيد "كأنها القافلة في طرف يدي "

كنت رائحة الأنثى التي ترفل بالحلم
كأنها القافلة على طرف يدي
كأنّها قافلة الوقت تتساقط خيط دخان
لم أكن تدرّبت على صنع النهايات
حلم يمضي
وجسد يقرع لون الغيوم
حلم يجيء
يراق من دمّه طفلة
تعيدني الى ماءها الأول

هذه الطفلة التي شقت عصى الطّاعة وتسلّحت بالقلم من أجل حرّيتها واستماتت من أجل تشكيل خطاب شعريّ يشيد عالما من المعاني التي تتراكض ببونها وتعيد على ضوئه ترتيب أولويّات الوجود وعلاقتها بمكوّناته
هذا النّضج في التّصور الذهني الإبداعي للمرأة يهبها خصوصيّة تغلّفها كطبقة الأوزون من الاندثار والتبدّد في ظلّ حضارة ذكوريّة تشهر القوانين والتشريعات في وجهها وكأنّها الخطيئة كما تمثلتها الكتب السماوية ما قبل الإسلام والضلع المعوجّ لآدم وقد آن اجتثاثه
لكن هذه الذات تثور وتتمرّد على جملة المعطيات السابقة على نفحتها وتمنح الأشياء جمالية على طريقتها بها تتمثل الوجود وحقيقة الدور المناط بعهدتها إلى حدّ إثبات قولة شارل فورييه "إنّ درجة تحرّر المرأة تصبح بكلّ بداهة مقياس التحرّر العام "
وياتي خطابها تتمة لقراءة هذه الثنائية الوجودية (أنثى –ذكر )في صياغة جديدة بعد أن عدّل الشعر من توازنها وجعل للمرأة دورا فيها بعد أن كانت مهمّشة فتتغنّى مها جمال في قصيدة تعويدة بهذا التوازن العاطفي والنفسي الذي يمنح المرأة الثقة لتساند الرجل بعدأن أيقضت حسّه ونبّهته إلى أنها شريك وليس خصما له

فى فضاء الصبر العتيق
وحدك سكبت لك
شهقة العمر
صبوة الحرف
خاطرة الغد
وأزهار الفجر
سأهز نخلتي
تساقط خيوطا من لهاث
وعنوان سيرتي
وتبقى تعويذتك
تعانق جيدى وصدرى
لتتوحد أرواحنا سلاما
أبدا فى زمن المستحيل
ومدن النسيان


على سبل الخاتمة :

هكذا تمثلت امرأة الشعر المعاصر وجودها من خلال الرجل قرينها اللّدود حيث أجزلت له الأغاني ومنحته صورا رومانسية وتخريجات إبداعيّة كان دافعها مرضاته وتحقيق التوازن النفسيّ لشقي الوجود حتى تستقيم النظرة نحو المستقبل فطيلة مشوار الإبداع الذي اكتسحته الذات الأنثوّية لم تغيّب الآخر من وجدانها أو نسغها إنّما كان حاضرا طيلة المشهد الشعريّ من أولى الشّذرات المحايثة للعواطف البريئة المنصبّة رأسا في فلك الانفعالات والعواطف الحالمة إلى أن أتمّ الخطاب مختلف مكوّناته الناضجة التي تضمن له شروط تأصيله النوعي وما يجعله خاصيّة أنثوية تمنحه الألق على طريقتها ّ
منذ أولى بواكيره وحتّى صور رشده .


الهوامش :1- "الكتابة النسائية..حفرية في الأنساق الدالة.. الأنوثة .. الجسد..الهوية"،مطبعة سجلماسة – مكناس- المغرب، الطبعة الأولى، شتنبر 2004

2- 4حوار مع -فينوس فائق: الشعر مساحة أوسع من الخيال و عبث من طراز فريد!
لست ثورية لکنني أميل الى التمرد
3- محمد نور أفاية :الهويّة والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش –إفريقيا الشرق –ال
-دار البيضاء 1988ص 35

5-الشاعرة فوزية العلوي :http://www.facebook.com/profile.php?id=1568551290&v=wall&ref=ts من قصيد :-هل كنت أنصت لغير الصوت
- نخيل

6- الشاعرة :ضحى بوترعة :http://www.facebook.com/profile.php?id=1213224874&v =wall&ref=ts من قصيد -:كان ليلا …كان بحرا
- كأنها القافلة في طرف يدي
الشاعرة : مها جمال :http://www.facebook.com/profile.php?id=100000179160794&v=info&ref=ts من قصيد تعويذة

7-الشاعرة :راضية الشهايبي :http://www.facebook.com/chehaibi.radhia?v=wall&ref=ts
من قصيد : انبعاث
بقلم خيرة خلف الله



خفوت صوت المرأة فى الإبداع القنائى

كتب الأستاذ فتحى عبد السميع
فى جريدة اخبار قنا

صوت المرأة فى الإبداع الشعرى فى قنا خافت للغاية ,فهل يرجع السبب لعدم وجود مواهب, أم لأن الواقع فى قنا يقمع المرأة؟
  أما المواهب فلاأحد يقول بندرتها فهى أصيلة فى البشرية وكل الناس لديهم مواهب والعبرة بالوعى بالموهبة وتنميتها أما الواقع فى قنا فلا أحد يقول أنه صار يقمع المرأة حتى أنها لا تستطيع القراءة وممارسة الكتابة فهذا المجال صار مفتوحا جدا على الأقل بسبب انتشار النت ,وإمكانية النشر التى صارت سهلة جدا وكذلك الإمكانيات الأخرى كتحميل الكتب والتواصل مع المبدعين ومتابعة الأنشطة الثقافية فلماذا بقى صوت المرأة فى الإبداع نادرا جدا حتى أننا نكاد نجزم بعدم وجوده.
     صحيح أن هناك أسماء كثيرة ظهرت  لكن اختفت بعد تحقيق مستوى واضح من النضج مثل الشاعرة هدى عبد المنعم وبعضها كان يختفى بدون تحقيق أى مستوى من النضج بعد جولة مع الكتابة لا اجتهاد فيها ولا وعى ولا حتى قراءة.
  وفى المجمل يبقى صوت المرأة فى قنا خافتا جدا ,وهو أمر بحاجة للبحث ,كما تبقى الحفاوة  بكل صوت جديد يثبت جديته واجتهاده وقدرته على الحضور القوى بين الشعراء .
   ومن هنا نحتفى فى هذا العدد بالشاعرة مها جمال التى نلتقى بها للمرة الأولى , ومن يقرأ النمادج المنشورة هنا سيكتشف أنها شاعرة موهوبة لكن الأهم من الموهبة هو درجة وعيها بالشعر وبطبيعته وتمكنها من من الكتابة بلغة شعرية موحية ولها جمالها.
  فى تلك القصائد هناك حساسية فى التعامل مع اللغة لا تأتى  إلا من القراءة الشعرية الجيدة وهناك رهافة فى التعبير لا تأتى إلا من الوعى بطبيعة الكتابة الشعرية وهناك قدرة على توظيف الصور لا أتى إلا من خلا معاناة مع الممارسة الإبداعية وهناك رؤيا لا تأتى  إلا من خلال إدراك هوية فن الشعر الذى يختلف عن أنواع التعبير الأخرى.
   وبالمجمل تتسم تجربة مها جمال  بعدد من العناصر التى لم تتوفر فى شاعرة قبلها من بنات قنا و وكل ذلك يؤهلها لأن تكسر احتكار الرجال للشعر فى قنا ,وتعد بصوت متميز لاشك فى مستقبله.
   كما كانت القبيلة تحتفل بميلاد شاعر, نحتفل فى هذا العدد بالشاعرة
28/11/2010



 لم تعلمني الحياة شيئا... عرفت في سن صغيرة  ان هذا  شارع هذه نافذة تطل على الشارع وهذه مدينتي التي لا استطيع الخروج منها وهذا بيتي داخل المد...